هل تلصَّصَ إحسان عبد القُدوس على فرانسوا ساجان؟
"مرحبًا أيها الحُزن..
يا حب الأجساد المحببة..
وقوة الحب..
التي تبرز مودته..
كوحش دون جسد..
أيها الوجهُ الخائب الأمل..
يا حزن، أيها الوجه الجميل.."
ب. ايلوار
الحياة الفورية
بهذه الكلمات قدمت لنا "فرانسوا ساجان" 1935- 2004 روايتها "صباح الخير أيها الحُزن" عام 1954، وبجملةٍ موجزة قدّم لنا إحسان عبد القدوس روايته (لا أنام):
"أنا الخير والشر معًا.. لأني إنسان".
فى استشهاد "ساجان" يحضر أمامنا الحُزن وقوة الحُب، وتشبيهه بوحش دون جسد، وفى افتتاحية "إحسان" حلول "الخير/ الشر" في الإنسان.
ارتبط فنُ ساجان الروائي بتيار التحرُّر، حيث تتميز كتاباتها بالبَساطة، كما يجري أسلوبُها فى جُمل صغيرة سهلة واضحة، فتصور أنماط البرجوازيين العاطلين المُتحررين المنغمسين فى الملذات، بالإضافة إلى شخصيات أخرى لمتعجرفين لا يبالون بأمور الحياة الجادة. فى روايتها عمومًا عمقُ الإدراك والوعي النفسي، تعالج أمور الحياة عن طريق شخصياتها من موقع المُعتد بنفسه، وكل ذلك بشيءٍ من التنازل الذي ينطوي على عدم الاكتراث.
على الجانب الآخر، "إحسان عبد القدوس" حريصٌ على البساطة والسهولة، وقد أبعده هذا عن التفكير فى أشكال روائيّة صعبة فى بنائها من حيث الشخصيات، والبُعد الرمزي وغيره، أو إثقال روايته بالأفكار التى تستعصي على الجمهور العادي.
يقول د. جابرعصفور، عن إحسان فى حواره مع ماجدة الجندى: «هناك عدة جوانب أتوقف عندها فى إحسان عبد القدوس كاتب القصة، وهذه الجوانب تجعل له أهميّة متميزة فى تاريخ القصة العربيّة المعاصرة، منها أنه الكاتبُ البارزُ الذى امتلك شجاعة اقتحام العوالم المغلقة، التي تحرم العلاقات الاجتماعية فى الطبقات الوسطى، خاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة والجنس. هنا لا يمكن أن أنسى روايات (أنا حرة، والنظارة السوداء، ولا أنام).
رواية (Bonjour tristesse)، أو ما ترجمت بـ(صباح الخير أيها الحزن) صدرت فى طبعتها الأولى مارس 1954 عن دار نشر(Juilliard) جوليارد، للكاتبة Françoise) Sagan) فرانسوا ساجان، وعندما نُشرت حازت على جائزة الجونكور الفرنسية.
أول ترجمة إلى اللغة الإنجليزيّة كانت فى عام 1955، والطبعة التى نعتمد عليها هنا بتاريخ عام 2008 لدار (HarperCollins) فى 160 صفحة، ومُقسّمة إلى 12 فصلًا فى جزأين.
رواية (لا أنام) لإحسان عبد القدوس صدرت فى نوفمبرعام 1956، وكان إحسان عبد القد وس وقتها رئيس تحرير مجلة روزاليوسف.
رواية (لا أنام) عدد صفحاتها 552، ومُقسمة إلى 24 فصلًا على جزأين، الجزء الأول 13 فصلًا، والجزء الثاني 11 فصلًا.
التيمة العامة فى الروايتين هو تعلق الابنة فى حُب أبيها الأرمل فى رواية (ساجان)، والمطلق فى رواية إحسان، حتى إنه يقرر الزواج بعد حياة بوهيمية طويلة، فتكيد لهذه الزوجة، وتعمل على انفصالهما، وإجمالًا مُلخص الروايتين:
رواية (Bonjour tristesse) صباح الخير أيها الحزن
"سيسيل ريمون" فتاة في السابعة عشرة من العمر، تعيش مع والدها الأرمل، بعد خروجها من المدرسة الداخلية منذ عامين، ووالدها يعيش بين عشيقاته، لا يعبأ بشيء.
تبدأ الأحداثُ في مصيف على ساحل المتوسط، حيث "السا" عشيقته، وابنته "سيسيل" معًا فى بيت صيفي. يبلغ "ريمون" الأب ابنته سيسيل بقدوم "أن لارسن" صديقة أرملته وصديقته إلى مصيفهم؛ وفى الوقت نفسه تتعرف "سيسيل" إلى شاب جامعي ساذج، يدرس الحقوق، وتدخل معه فى تجربة حُب.
يُقرر "ريمون" الزواج بـ"أن لارسن" ويترك "السا".
تدبر"سيسيل" خُطة ذكية بالتعاون مع عشيقها، وعشيقة "ريمون" السابقة "السا"؛ للتفرقة بين الزوجين، وليس من سبيل إلا وضع "ريمون" في موقف "خيانة" لـ"أن لارسن"، وبالفعل تنجح الخطة، ويقع "ريمون" في الفخ ، وترحل "أن لارسن"، وفي أثناء هروبها تتعرض لحادث بالسيارة وتموت.
رواية (لا أنام) إحسان عبد القدوس
نادية لطفي فتاة فى السادسة عشرة من العمر، يقرر أبوها أن يأخذها من المدرسة الداخليّة وتعيش معه، ثم يخبرها بأنه سيتزوج مدام صفيّة بعد حياة العربدة مع عشيقاتِه.
يعيش عزيز عم نادية معهما في البيت نفسه، وتقع نادية في حب مصطفى الذي يكبرها في العمر، وتنتقل إلى عَلاقة أخرى مع محمود، وفي الوقت نفسه تقرر أنها ستشعل نار الغيرة في قلب أبيها تجاه زوجته الجديدة صفية، وتستغل قرب عمها من زوجة أبيها لتنصب تلك المكيدة، وتنجح في ذلك، ويطلق والدها صفية.
تُزوِّج نادية والدها من صديقتها القديمة كوثر، ثم تكتشف لاحقًا أنها تخونه.
تعقيبات على ما وَرد حول إحسان والرواية
نشر د. غالي شكري مقالًا حواريًا فى مجلة (شعر) اللبنانية بينه وبين إحسان عبد القدوس، ويتهمه فيه بأنه في الفترة من مجموعة (صانع الحب )1949، و(بائع الحب)، إلى (لا تطفئ الشمس) 1960- كان أسلوبُه مُتأرجحًا بين لغة الصحافة واللغة الأدبيّة، وأن أعماله في تلك الفترة تحديدًا يصعب تصنيفها: هل هي أدب أو صحافة؟
وفي المقال الحواري نفسه يذكر إحسان (وذات يوم قلت إنه لا بد أن أقلد أحد المشهورين، فاخترت طه حُسين، ولكن لم أجد فيه العزاء. ثم قلدتُ التابعي، وأخيرًا- بعد تجربة- قررت أن أقاطع القراءة بالعربية. وعندما كنت أقرأ بالإنجليزيّة وجدت فيها تعبيرات لو أنها نقلت إلى العربية لأصبحت جُملًا جديدة وجيدة... فأعطاني هذا الحق فى الخروج على المألوف)، ص40، من المقال نفسه.
ويأخذنا د. غالي شكري إلى منطقة الجنس فى روايات إحسان، فيشير إحسان إلى أول ضجة حدثت، وهى ضجة رواية (لا أنام).
وأنا في هذا المقام أودُّ أن أوضح للقراء أن الفترة التاريخيّة الواقعة بين 1949 و1960 كان إحسان عبد القدوس متأرجحَ الأسلوب، وهو بنفسه قال مع د. غالي شكري في المقال السابق إن هناك جُملًا لو نُقلت إلى العربيّة لأصبحت جُملًا جديدة وجيدة.
وأنا لو أردت تشويه قامات الأدب والرواية المصرية، كما يدّعي جُهلاء الوسط الثقافي، لذكرتُ فحوى مقال أستاذ أساتذتنا (د. محمد مصطفى هدارة) الذى عنوانه (إحسان عبد القدوس وأزمة القصة) الذي نشره فى مجلة الدوحة، العدد رقم 7، بتاريخ 1 يوليو 1978، وصف فيه إحسان وكتاباته بأوصاف لا أودُّ ذكرها هُنا.
إشكاليّة تاريخ نشر رواية لا أنام
تقول أسرة الكاتب الراحل (إحسان عبد القدوس) إن رواية (لا أنام) نُشرت مسلسلة في (روزاليوسف) من أكتوبر 1955 حتى مارس 1956، ثم نُشرت أول طبعة في نوفمبر 1956، وأنا هنا لا أكذبُ هذا، لكن أشكك فيه، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين التشكيك والتكذيب، فإذا كانت رواية (صباح الخير أيها الحزن) نُشرت بنسختها الفرنسيّة مارس 1954، وأول ترجمة إلى الإنجليزية كانت 1955، فهل كان إحسان عبد القدوس يُجيد الفرنسية؟
من مُراجعة (دليل الكاتب المصريّ) أعداد متفرقة من 1955 إلى 1984 إعداد قسم الببليوجرافيا، بالهيئة المصرية العامة للكتاب، و(دليل المطبوعات المصريّة 1940 إلى 1956)- تبيَّن أن أول طبعة بتاريخ 1957 للشركة العربية للطباعة-مكتبة مصر4279-57-15000، وتبين أن التاريخ نفسه ذُكر فى مجلة القاهرة، بتاريخ 15 يوليو 1990، العدد رقم 106.
لماذا ذكر تلك كل التواريخ إذًا: إذا فرضنا التاريخ الذى ذكرته الأسرة للنشر 1955 يكون (إحسان عبد القدوس) قرأ رواية (ساجان) بالفرنسيّة.. فهل يُجيدها؟
والفرضيّة التي تقول إن النشر تمَّ فى 1957 تصبح أطروحة التاريخ قريبة من ذكر إحسان للقراءة بالإنجليزية، وهذا ما أرجحه إلى أن يظهر ما يُخالفه.
المكان والزمان
"يُعدُّ الحيِّزُ من المشكلات المركزيّة في العمل السّرديّ، وخصُوصًا في الرّواية، حيث إنّ هذه الكتابةَ تختلف عن سواها… برسم الحيّز، وغرس الزّمن فيه، أو تعويم الزّمن في الحيّز… وعلى الرُّغم من أنّهما مُتلازمان لا يفترقان، ومتفارقان لا يتزايلان، فإنّ جمهور الدّارسين ومحلّلي الرّوايات يميّزون بينهما على سبيل التيسير وإلاّ فلا حيِّز بلا زمان، ولا زمان بلا حيّز، ولا يجوز أن ينفصل أحدهما عن صنوه في العمل السّرديّ"
عبد الملك مرتاض، (في نظريّة الرّواية)، ص 128.
إحسان وساجان كاتبان برجوازيان، فمن المنطقي أن نجد العالمين الروائيين مُتشابهين؛ ولكن التشابه هنا تجاوز إلى حد التماثل، فنجد فى بداية رواية ساجان (مصيف) فى ساحل البحر المتوسط، ثم الانتقال إلى المدينة، فى مقابل رواية إحسان البداية فى المدينة، ثم فى منتصف الرواية الانتقال إلى المصيف مع نفس حركة الشخصيات فى الروايتين.
المدار الزمانى
يذكر ميشال بوتور، فى كتابه (بحوث فى الرواية الجديدة):
"كما تتمثل أهمية الزمن في البناء الروائي فيما يلي:
"أولًا: لأن الزمن محوري وعليه تترتب عناصر التشويق والإيقاع والاستمرار. ثم إنه يحدد في الوقت نفسه دوافع أخرى، مثل السببية والتتابع، واختيار الأحداث.
ثانيًا: لأن الزمن يحدد إلى حد بعيد طبيعة الرواية ويُشكلها، بل إن شكل الرواية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمُعالجة عنصر الزمن، وكل مدرسة أدبيّة تقنيتها الخاصة في عرضه، ولذلك فإن الرواية "أو بمعنى أصح فن القص" تطور من المستوى البسيط للتتابع والتتالي، إلى خلط المستويات الزمنية من ماض وحاضر ومستقبل خلطًا تامًا، مما أدى بالرواية الجديدة إلى تداخل وتلاحم بين المستويات الثلاثة يصعب معها تتبع قراءة النص.
ثالثًا: أنه ليس للزمن وجودٌ مستقلٌ نستطيع أن نستخرجه من النص مثل الشخصيّة، أو الأشياء التي تشغل المكان أو مظاهر الطبيعة، فالزمن يتخلل الرواية كلها، ولا نستطيع أن ندرسه دراسة تجزيئية، فهو الهيكلُ الذي تشيد فوقه الرواية، وعليه فإذا كانت رواية ساجان تدور فى بضعة أشهر ليس أكثر، فرواية إحسان تدور فى ثماني سنوات، ولا نحسب أن إحسان تعمد الإطالة، بل لقد أطال الفضاء الزماني مع الحفاظ على الفضاء المكاني، وطوّر الشخصيات، وأضاف شخصيات بما لا يَجعل قارءه يَملُّ.
الشخصيات
الشخصيات المحورية فى رواية (صباح الخير أيها الحزن) فرانسو ساجان الشخصيات المحورية فى رواية (لا أنام) إحسان عبد القدوس
الفتاة (البطلة) Cécile نادية لطفى
الأب Raymond, Cécile's father أحمد لطفي
زوجة الأب Anne Larsen صفية
عشيقة الأب/ الزوجة الثانية بعد صفية Elsa كوثر
عشيق (البطلة) Cyril سمير
جدول (1).. الشخصيات فى الروايتين
يرى فيليب هامون أن الشخصية إضافة إلى كونها وليدة مستوى عميق، لا يمكن الإمساك بمدلولاتها، وصك بطاقتها إلا من خلال وجود عناصر مُهمة تسهم في حياتها، وهي القراءة والسنن الثقافي.
فإذا كانت رواية ساجان وجوديّة بامتياز، فرواية إحسان نستطيع أن نرى فيها ذلك بوضح، وذلك وفق ما تكلم فيه جان بول ساتر عن الشخصيّة.
فيرى سارتر أن الإنسان يصنع ذاته باستمرار وفق ما يختار لنفسه، وفقًا للصورة المستقبليّة التي يصنعها نصب عينيه، (ليس الإنسان شيئًا آخر غير ما هو صانع بنفسه).
فالكائنُ الإنساني هو الكائنُ الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته، أي أنه يُولد أولًا، ثم يصنع ماهيته فيما بعد، ويركز سارتر على فكرة أساسية، وهي القول بالحُرية الإنسانيّة، وهو ما يُعبر عنه سارتر بمفهوم الذاتية الإنسانية التي تعني أساسًا أن الإنسان يصنع نفسه بنفسه.
⦁ (ريمون)= (أحمد لطفي)
حضور شخصية ريمون فى رواية ساجان كان حضورًا بلا تفاصيل كثيرة، وفق الفضاء الروائيّ المسموح به في الرواية، لكن أن تُنقل تلك التفاصيل القليلة إلى رواية إحسان فهذا هو المدهشُ.
فمع مساحة الزمن الطويلة فى رواية (لا أنام) كانت النتيجة أن بُهتت تمامًا، بل تلاشت فى السرد، وهذا من مثالب الأخذ عن الآخرين.
ريمون أرمل، يعيش حياة بوهيمية، ويتزوج، ثم تدبر له ابنته مكيدة، تظهر به أنه خائنٌ.
أما أحمد لطفى فمثله تمامًا، مع اختلاف أن الخيانة التى دُبرت كانت لزوجته "صفية".
الصفات الشخصيّة واحدة، فريمون كما تقول سيسيل (كان أبي في الأربعين من عمره، وأرملًا منذ خمس عشرة سنة) صفحة 13، رواية صباح الخير أيها الحُزن.
أحمد لطفى يُخاطب نادية في لا أنام (أيوه يا نادية .. أنا بقالي أربعتاشر سنة عايش من غير جواز علشان خاطرك) صفحة 38، رواية لا أنام.
وتقول نادية فى موضع آخر: (فأبي لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من عمره).
إذًا الشخصيتان مُختلفتان فى شيئين فقط:
الأول: ريمون أرمل، وأحمد مطلق. الثانى: المكيدة التي نفذت فى ريمون كانت لإثبات خيانته، والمكيدة التى نفذت فى رواية لا أنام كانت فى (زوجة الأب).
أما الشخصية بكل حضورها الموارب.. المتخفي في أحيان كثيرة فى رواية ساجان فقد تم أخذه على يد (إحسان) بتطابق مدهش؟
⦁ (أن لارسن)=(صفية)
(قد أخفق بعضهم في ربط الأمكنة بالحوادث ومنظور الشّخصيّات أو وجهات نظرها. والنتيجة الواضحة لهذا الإخفاق هي الاكتفاء بتقديم مكان جامد لا حياة فيه. ونجح روائيون آخرون في أن يجعلوا الأمكنة الروائيّة متكاتفة تؤثر في الحوادث وتتأثّر بها، وتسهم في تطور الشخصيات التي تحلُّ فيها أو تخترقها. والروائي، في حالتي الإخفاق والنجاح، يُقدِّم المكان الروائي بوساطة الوصف في الغالب الأعم، لأن هذا الوصف هو وسيلة اللغة في جعل المكان مُدْرَكَاً لدى القارئ.
وقد يلجأ الروائيّ إلى وسائل أخرى غير الوصف في تقديم المكان الروائي. بَيدَ أنه في الوسائل كلها مُطالبٌ بأن تُفضي أمكنته الروائيـّة إلى فضاء يحيط بها، ويُنظِّم حركتها، ويجعلها أكثر عمقًا وإيحاءً من دلالاتها المكانيّة الضَّيِّقة، سمر روحى الفيصل، (الرواية العربية - البناء والرؤيا) ص 72.
شخصية صفية فى رواية (لا أنام) هي النسخة المُشوّهة من شخصية أن لارسن فى رواية (صباح الخير أيها الحزن)، فإحسان عبد القدوس أخذ الشخصيّة بتفاصيلها، واستلبها استلابًا عدا شيئان، أولهما عُمرها، وثانيهما إبدال تهمة الخيانة على صفية عوضًا عن شخصيّة أحمد لطفي فى الرواية، وذلك لعِظم مفهوم الخيانة عند المجتمع العربي والمصري فانشغل إحسان للمُبالغة دراميًا فى هذا الموضع.
عُمر شخصية (أن لارسن) كان اثنين وأربعين، وعمر شخصية (صفية) كان سبعة وعشرين.
استهلال دخول أن لارسن فى رواية ساجان.. وصولها من محطة القطار وصعودها إلى حُجرة سيسيل بالمثل، نفس دخول صفية فى لا أنام، وصعودها إلى حجرة نادية، وحديث طويل في أثنائها بين سيسيل وأن لارسن، وحديث طويل أيضًا بين نادية وصفية.
وصف الشخصية
(أن لارسن).. صباح الخير أيها الحزن
(رغم أنها بلغت الثانية والأربعين فإنها جذابة، ذات وجهٍ جميل مُتكبر يلوح عليه الإعياءُ وعدم الاكتراث)، ص 17.
(كانت لطيفة ومُتباعدة، وكان كل شيء فيها يوحي بإرادة قويّة وراحة قلب تُحرجان من يقترب منها)، ص 17.
(كانت من النساء اللواتي يستطعن الكلام وهُن مُنتصبات دون أن تتحرك، أما أنا فأحتاج إلى مقعد، وشيء أمسكه ولفافة تبغ)، ص 54.
(لم أفكر يومًا "بأني" كامرأة، بل كوحدة مكتملة. لقد رأيت فيها الثقة بالنفس والأناقة والذكاء)، ص 51.
(صفية).. لا أنام
(كانت رفيعة القوام، ذات ساقين بديعتين.. ولا شك أن هذا نتيجة سنوات العناية والانتباه)، ص 30.
(لم يكن أبرز ما فيها جمالها.. إنه جمال من ذلك النوع الذي تفترض وجوده مقدمًا)، ص 59.
(جمال لا يُبهرك ولا يلوي عنقك، ولكنك تفتقده إن لم تجده أو تمُر به)، ص 59.
(كانت لبقة فى إدارة أي حديث تديره)، ص 67.
(كان أبرز ما فيها هو هذا الهدوء الذي يشع منها، كأنه عبيرُ مُهدِّئ للأعصاب)، ص 59.
(اكتسحتني شخصية زوجة أبي حتى أبعدتنى عن حبيبي، الشخصية القويّة النشطة التى تنضج فيها، وتسيطر على كل من حولها)، ص 184.
صفات قوة الإرادة والشخصيّة والتأثير فى الآخرين، بالإضافة للأناقة والجَمال صفات تشترك فيها (أن لارسن/ صفية)، إضافة لذلك تعرف الشخصية صفية/ أن لارسن ما بداخل (سيسيل/ نادية):
أن لارسن وسيسيل
فى مشهد يستنكر فيه ريمون هزال ابنته، فتقول أن لارسن:
⦁ صحيح أن هذا يُؤذيها،ويكفيها أن تدرس بدلًا من الدوران فى غرفتها، ص 65.
تعلق سيسيل:
⦁ استدرت وأخذت أنظر إليهما. كيف عرفت أني لم أكن أدرس؟ لعلها أدركت حتى أفكاري، إنها لا يُعجزها شيء، ص 65.
صفية ونادية
نادية تقول:
⦁ أحسست أنها تفهمنى جيدًا، وتفهم كل شيء دون أن أتكلم، ص 134.
(لم يلحظ هزالي إلا زوجة أبي، وهي ليست أبى، فأشارت باستدعاء طبيب، وأوصى لي بنوع من الحقن)، ص 77.
نفس الملحوظة لقطتها أن لارسن، وقالتها لسيسيل:
(يجب أن تزيدي ثلاثة كيلوجرامات على الأقل)، ص 27-28.
موقف (أن لارسن/ صفية) تجاه العلاقات العاطفيّة التي فى حياة (سيسيل/ نادية)
عندما وجدت أن لارسن ابنة زوجها سيسيل، وصديقها سيريل، يُقبِّلان بعضهما قالت له:
⦁ أرجو ألا أراك ثانية.
وقالت لسيسيل:
⦁ عليك أن تدركي أن هذا النوع من اللهو ينتهي عادة فى المستشفى، ص 53.
تقصد أنه سينتج عن ذلك وليدٌ سفاحٌ من جَراء المُعاشرة.
أما على الجانب الآخر فى رواية (لا أنام)، فعندما صارحت نادية زوجة أبيها صفية في لحظة صفاء بحبها رجلًا على حد وصفها "مش بتاع جواز"، فما كان من صفية أن اندهشت وصدمت وقالت: إيه؟
ونادت على السفرجى، وتجاهلت نادية تمامًا، ص 199-200.
هل بقي لدينا الآن ولو شك بسيط من أن رواية (لا أنام) مسروقة من رواية (صباح الخير أيها الحُزن)؟
المراجع
1- في نظرية الرواية: بحث فى تقنيات السرد، عبد المالك مرتاض، سلسلة عالم المعرفة، العدد 240.
2- بحوث فى الرواية الجديدة، ميشال بوتور، ترجمة: فريد أنطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، باريس.
⦁ الرواية العربية، البناء والرؤيا: مقاربات نقدية، سمر روحي الفيصل، اتحاد الكتاب العرب، دمشق.
⦁ رواية لا أنام، إحسان عبد القدوس، الشركة العربية بيروت، طبعة مكتبة مصر.
5- Bonjour Tristesse: A Novel Paperback – June 17, 2008.
⦁ مفهوم الشخصية بين العلم والفلسفة، مقال د. صبرى محمد خليل، أستاذ الفلسفة، جامعة الخرطوم.
7- إحسان عبد القدوس يدافع عن نفسه، مقال د. غالي شكري، مجلة شعر، العدد 44، 1 مارس 1970.
⦁ د. محمد مصطفى هدارة، مقال إحسان عبد القدوس، وأزمة القصة، مجلة الدوحة، العدد رقم 7 بتاريخ 1 يوليو 1978.
0 تعليقات