هل يمكن أن تكون هناك حرب دون خاسرين؟ هل يمكن لأي شخص أن يخرج من أتون الحرب دون أن تترك في نفسه ندوبًا لا تُمحى؟ ما الذي يتبقى من الإنسان بعد أن تُسحق أحلامه في رحى الصراعات؟

هذه الأسئلة وغيرها كثيراً ما راودتني وأنا أغوص في أعماق رواية «الحرب الخاسرة – حمر ما وراء البحار» للمؤلف المكسيكي جوردي سولر، حيث تمكنت من استكشاف عوالمها الزاخرة بالأحداث والشخصيات التي عكست بواقعية مذهلة أجواء الحروب وما تتركه من آثار مدمرة على البشر.

استمتعت بقراءة هذه الرواية، فقد استطاع سولر أن ينقلني بأسلوبه الجميل إلى تلك الحقبة الزمنية وأشعرني كأني أعيش تفاصيلها لحظة بلحظة.

تتناول الرواية أحداثاً تاريخية تعود إلى فترة الحرب الأهلية الإسبانية وما بعدها، مسلطةً الضوء على مصائر الأشخاص الذين تأثروا بتلك الحروب. فقد عرض سولر قصص هؤلاء الأشخاص الذين طُحِنوا في رحى الصراعات وعانوا من ويلات الحروب، سواء كانوا من الجنود أو المدنيين. تألمت كثيراً لمصائر أبطالها، حيث أظهرت الرواية كيف أن الحروب لا تترك منتصراً حقيقياً، بل تُخلّف وراءها فقط الخسارة والدمار.

شخصيات الرواية كانت محمّلة بأعباء تاريخية وثقيلة، حيث تمكّن سولر من تقديمها بشكل يجعل القارئ يتعاطف معها ويشعر بآلامها ومعاناتها. هؤلاء الأشخاص الذين خاضوا الحرب، والذين كانوا يأملون في نهاية سعيدة أو على الأقلّ عادلة، وجدوا أنفسهم في مواجهة واقع مرير لم يكن في حسبانهم. كل شخصية كانت تحمل قصة إنسانية عميقة، تتشابك مع الأحداث التاريخية لتعكس معاناة الإنسان في أوقات الحروب.

الرواية تحمل في طياتها عبرة تاريخية كبيرة، فهي تذكير بأن الحروب لا تترك منتصرين حقيقيين. حتى أولئك الذين يُعتبرون رابحين في النهاية، يعانون من خسائر نفسية ومادية جسيمة. الحروب تُنتج فقط درجات مختلفة من الخسارة، ولا يمكن أن تكون هناك فئة تنتصر بالكامل بينما الأخرى تخسر. هذه الرسالة العميقة تجعل الرواية تتجاوز كونها مجرد سرد تاريخي لتصبح دعوة للتدبر والتفكير في آثار الحروب وما تتركه من ندوب لا تُمحى بسهولة.

رواية «الحرب الخاسرة – حمر ما وراء البحار» لجوردي سولر هي عمل أدبي مميز يوجب التدبّر والتأمّل، وهي ليست مجرد حكاية عن تاريخ مضى، بل هي مرآة تعكس واقع الحروب المعاصر أيضاً. فلا يوجد في الحروب من رابح حقيقيّ، وكل ما نراه هو خسارة مستمرة واختلاف في درجات هذه الخسارة.