ًوفاة بابسي سيدوا: أيقونة الأدب الباكستاني تفارق الحياة عن 86 عاما
غادرت الكاتبة الباكستانية الشهيرة بابسي سيدوا عالمنا يوم الأربعاء عن عمر ناهز 86 عامًا في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، تاركةً وراءها إرثًا أدبيًا خالدًا يعكس تعقيدات الهويات الثقافية والسياسية لشبه القارة الهندية. ووفقًا لتصريح أدلت به ابنتها لوكالة الصحافة الفرنسية، فارقت الكاتبة الحياة بهدوء، بعد مسيرة أدبية حافلة وضعتها في مصاف الكتّاب الذين أعادوا تعريف الأدب الإنجليزي في باكستان.
وُلدت بابسي سيدوا في 11 أغسطس 1938 في مدينة كراتشي لعائلة بارسية تنتمي إلى الطائفة الزرادشتية، إحدى أقدم الديانات في العالم. نشأت في مدينة لاهور التي أصبحت خلفية للعديد من رواياتها، وتناولت من خلالها التوترات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها المنطقة خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية وما بعدها.
برزت سيدوا كواحدة من أهم الأصوات الأدبية الباكستانية، حيث كانت أول كاتبة باكستانية تكتب باللغة الإنجليزية وتحقق شهرة عالمية. ومهدت الطريق لجيل جديد من الكتّاب الباكستانيين الذين برعوا في التعبير عن هويتهم الثقافية بلغة عالمية، ومن أبرزهم كاملة شمسي ومحمد حنيف.
كان أدب سيدوا يتمحور حول قضايا الهوية والانقسام الاجتماعي، وهو ما تجلى في روايتها الشهيرة "كراكينغ إنديا" (Cracking India)، التي صدرت في عام 1988 بعنوانها الأصلي "آيس كاندي مان" (Ice Candy Man). استندت الرواية إلى ذكريات طفولتها كفتاة بارسية عاشت أحداث تقسيم الهند البريطانية عام 1947، الذي أدى إلى انقسام البلاد إلى الهند وباكستان، وما تبعه من نزاعات طائفية أودت بحياة الآلاف وأجبرت ملايين الأشخاص على النزوح.
تمتاز الرواية بسردها البديع الذي يعكس مأساة إنسانية كبيرة من خلال عيون طفلة تعاني شلل الأطفال. وقد نالت الرواية إشادة واسعة، واحتُفي بها على نطاق عالمي، حيث أدرجتها محطة بي بي سي عام 2019 ضمن قائمتها لأكثر 100 رواية إلهامًا على مر العصور. وتحولت الرواية لاحقًا إلى فيلم سينمائي عام 1998 من بطولة نانديتا داس وعامر خان.
لم تقتصر إبداعات بابسي سيدوا على رواية واحدة، بل أثرت المكتبة الأدبية بأعمال أخرى عكست حسها النقدي العميق وقدرتها على تسليط الضوء على تناقضات الحياة الباكستانية. من أبرز هذه الأعمال:
- "ذي كرو إيترز" (The Crow Eaters) عام 1978، وهي رواية تسخر بذكاء من العائلات البارسية في ظل الحكم البريطاني.
- "آن أميركان برات" (An American Brat) عام 1993، التي تتناول تجربة فتاة بارسية تُرسل إلى الولايات المتحدة للهروب من القيود الاجتماعية والاضطرابات السياسية التي شهدتها باكستان في عهد الديكتاتور محمد ضياء الحق.
انتقلت سيدوا لاحقًا إلى الولايات المتحدة، حيث عملت أستاذة في جامعات مرموقة مثل جامعة كولومبيا وجامعة هيوستن، وألهمت طلابها بوجهات نظرها المميزة حول الأدب والهويات الثقافية. كانت تجربة العيش في الغربة أحد الموضوعات المتكررة في أعمالها، حيث عكست من خلالها صراع المهاجر بين الانتماء لثقافته الأصلية والتكيف مع بيئة جديدة.
حظيت بابسي سيدوا بتقدير واسع على الصعيدين المحلي والدولي. نالت عدة جوائز مرموقة، منها:
- وسام "ستارة امتياز"، ثالث أعلى وسام مدني في باكستان، تقديرًا لإسهاماتها الأدبية.
- جائزة مونديلو للأدب الأجنبي عام 2007، عن رؤيتها الأدبية الفريدة.
شكلت أعمال سيدوا مرآة تعكس الواقع المعقد لشبه القارة الهندية، حيث تناولت قضايا مثل الهوية الثقافية، والنزاعات الطائفية، وقضايا المرأة. كانت رواياتها شاهدة على تاريخ باكستان والهند، وساهمت في تعزيز فهم القارئ العالمي للثقافة والتاريخ الباكستاني.
إرث لا يُنسى
برحيل بابسي سيدوا، يفقد العالم الأدبي أحد أبرز الأصوات التي قدمت شهادات حيّة عن التحولات الكبرى في تاريخ جنوب آسيا. تبقى أعمالها إرثًا خالدًا يلهم الأجيال القادمة، خاصة في ظل تنامي أهمية الأدب كوسيلة لفهم الهويات المتعددة في عالم متغير.
0 تعليقات