كيف نربي النحل على طريقة صمويل بيكيت؟
صدر مؤخراً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، كتاب جديد للروائي والناشر الفرنسي مارتان باج، بعنوان: تربية النحل حسب صمويل بيكيت، وترجم الكتاب عن أصله الفرنسي، المترجم والروائي المغربي القدير الأستاذ محمود عبد الغني. قصة هذا الكتاب نقرأها في مقدمته القصيرة والتي كتبها الأستاذ فابريان أفيناريوس، من جامعة ريدينغ، حيث وجد المخطوط .
يقول:
في شهر مارس الماضي، شَبَّ حريق داخل مستودع في ضاحية "ريدينغ" بإنجلترا، حيث تمَّ إيداع أحد أهمِّ مخازن أرشيفٍ مخصَّصٍ لصمويل بيكيت. وصل هذا الأرشيف من قاعة في جامعة "ريدينغ" قبل بضعة أسابيع، بسبب وجود قمل الكُتُب من نوع الخُنْفَسَاء الأسود في الأرض والخشب. المخطوطات والوثائق كلُّها تمَّ تعقيمها كيميائياً، ثمَّ وُضِعَت في عُلَب كرتونية، وأُودعت داخل مخزن ضاحية "ريدينغ".
كانت مفرقعات، أشعلها بعض الأطفال هي أصل الحريق. وقد تمَّ إخماده بسرعة بفضل تدخُّل رجال الإطفاء. لكن المياه التي انهمرت على النيران تسرَّبت إلى العمارة وبلَّلت العُلب الكرتونية الثمينة.
وما أراحنا كثيراً، أن الضّرر كان سطحياً. الرطوبة كانت هي مصدر التعفُّنات، فأسهمت في قدوم الحشرات التي تضع بيض اليرقات. وُضِعَت الوثائق داخل أكياس بلاستيكية، وتمَّ تجميدها (داخل غرفة باردة تمَّ استئجارها لهذا الغرض في: (بيركشير ميت ترادرز ل.ت.د) في انتظار وصول الخبراء. قام هؤلاء، الذين عجَّلت بدعوتهم الرابطة الدولية لبائعي الكُتُب القديمة (الواقعة في ساكفيل هاوس، لندن)، بتجفيفها بعناية واحدة بعد أخرى. استغرقت العملية تسعة أيَّام، وتطلَّبت إعلاناً من أجل دعوة للتبرُّع لتغطية المصاريف التي لا يشملها التأمين. وهكذا تمكَّنت الأرشيفات كلُّها من جعل قاعتها بجامعة ريدينغ في وضعية جيِّدة.
وسط هذه الجلبة تمَّ العثور على مذكِّرات رجل يقدِّم نفسه باعتباره مساعداً لصمويل بيكيت. وتتناول صيف وبداية خريف سنة 1985. وتتحدَّث عن مشروع تقديم "في انتظار غودو" بسجن "كوملا" بالسويد، والأحداث التي ارتبطت بها. هذه القصَّة معروفة جدَّاً، لكنْ، إذا كان قلب هذا النصِّ حقيقياً، فإن جوهره (فانتازيا التصرُّفات المسندة لصمويل بيكيت، ومظهره الجسدي ومرحلة الأرشيف) يُثبتُ العقل المضجر (أو المنزعج) لمؤلِّفها.
لا أحد (بيكيت نفسه، ولا سيزان، زوجته، أو جيروم لاندن، ناشره) تحدَّثوا أبداً عن وجود هذا المساعد. ورَغْمَ ذلك، فإن هذه المذكِّرات وُجِدَت فعلياً. الورق والحبر هما من المرحلة نفسها، وبعض العناصر أصلية. إضافة إلى ذلك، فهذه الوثيقة وُجِدَت في قلب الشُّقَّة رَقْم 75، حيث توجد مجموعة الوثائق المرسَلة لـ "مؤسَّسة صمويل بيكيت الدولية بجامعة ريدينغ" في فبراير 1989. والقسيمة تحمل توقيع صمويل بيكيت.
رَغْمَ الطابع الفوضوي لهذه الصفحات، فقد تبيَّن أنه من المهمِّ نقلها إلى حكمة القُرَّاء الذين عليهم قراءتها من أجل ما هي عليه: عمل تخييلي عن أحداث واقعية.
انتهت المقدمة.
إذن، عندما كلف صمويل بيكيت طالب دكتوراه شاب في الأنثروبولوجيا، بترتيب أرشيفه وأوراقه، قرر هذا الطالب كتابة مذكراته الخاصة عن هذه التجربة، فهو بيكيت ومن غير المتوقع أن يكتشفه كل يوم: عاشق كبير للشوكولاتة الساخنة مع خزانة ملابس باهظة، ولاعب بولينغ، ومربي نحل متعطش.
أطلق مارتان باج العنان لخياله، وبدأ يطرح العديد من الأسئلة عن شخصية الكاتب اليوم، وصورته، وإرثه الأدبي. إنه بيكيت الجديد، والمختلق ما نقرأه هنا في هذه الرواية الفريدة.
يمكن أن يكون مربي النحل هو مارتان باج نفسه الذي، مثل الخيميائي، يصنع عسله من هذا اللقاء. إنه يلعب بالفخاخ التي تنزلق بسهولة بين الخيال والواقع، بين العمل وحياة مؤلفه. والنتيجة هي هذه الرواية/الحكاية الجريئة، والمضحكة، والذكية، والمبهجة والصعبة .
أخيراً، صدر الكتاب في 80 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب:
حين لا أكون في بيت بيكيت (أو على سطح عمارته)، أو أتحدَّث معه، أعمل في مكتبة سانت-جونيفييف أمام الـ «بانثيون»، في المكتبة الوطنية، في شارع روشوليو، وفي مكتبة الأنثروبولوجيا، قرب حديقة «النباتات». أقرأ وأكتب أيضاً في المقاهي والحانات. لم أصرف بعدُ المال الذي أعطاني بيكيت. من حين لآخر، أهدي نفسي عشاء في مطعم من المطاعم الهندية الواقعة في شارع فيليب-دي-جيرار، وأتبضَّع من سوق «باربيس» حين يعرض الباعة خضرهم التي لم يشترها أحدٌ.
بيتي في حالة يُرثَى لها (مثله مثل غرفتي). إنها حياةٌ تُلائِمني، كما لو أنها حياة في حالة انتظار. أعرف أنه فيما بعد سوف ألتقي بالناس، وأتعرَّف على أصدقاء، ويكون لي وجود اجتماعي. أمَّا الآن، فإنني أستغلُّ حالة الخواء هذه. إنها مرحلة سِحْرِيَّة، فقط لأنها ستنتهي ذات يوم.
عن الكاتب:
مارتان باج: روائي وناشر فرنسي ولد عام 1975. قضى شبابه في الضواحي الجنوبية لباريس. يعيش حالياً في نانت، في منطقة "توت آد- دولون". بعد مسار دراسي متعثر حاول فيه دراسة العديد من التخصصات، لكنه لم يحصل على أية شهادة جامعية. نشر روايته الأولى" كيف أصبحت غبياً" في عام 2001، فنال بها شهرة عالمي واسعة، وتُرجمت إلى العديد من اللغات من بينها العربية. تبعتها روايات: "اليعسوب البالغ من العمر ثماني سنوات"، و"سنألف نهايات العالم"، و"ربما هي قصّة حبّ"، و"اختفاء فرنسا وولادتها الجديدة في إفريقيا"، وفن العودة إلى الحياة"، و"تربية النحل حسب صمويل بيكيت". ألّف أيضاً العديد من كتب الأطفال، وله في الشعر مجموعة واحدة عنوانها "حادثة بيني وبين العالم".
0 تعليقات