آلاف الفنانين والكتّاب يطالبون بحماية إبداعهم من استغلال الذكاء الاصطناعي
لوس انجليس (الولايات المتحدة) - تشهد الساحة الثقافية والفنية في العالم تحركًا متزايدًا ضد استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبداع الفني والأدبي، حيث أعرب أكثر من 11500 فنان وكاتب عن قلقهم المتزايد من تأثير هذه التكنولوجيا على مستقبل الفنون والآداب. في عريضة نشرت حديثًا، عبّر فنانون ومبدعون بارزون مثل توم يورك من فرقة "راديوهيد"، والممثلة جوليان مور، والكاتب البريطاني الفائز بجائزة نوبل كازوو إيشيغورو، عن رفضهم لاستخدام أعمالهم لتغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي دون إذن مسبق، معتبرين أن ذلك يشكل تهديداً لمصدر رزقهم ولمستقبل الإبداع بشكل عام.
الذكاء الاصطناعي وتهديد مستقبل الإبداع الفني
العريضة التي وقّع عليها نجوم من مختلف مجالات الفنون، سلطت الضوء على الاستخدام غير المشروع للأعمال الفنية في تدريب الخوارزميات، وهو ما وصفته العريضة بأنه "تهديد كبير وظالم لمورد رزق أصحاب هذه الأعمال". إذ يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على هذه الأعمال الفنية والأدبية لتدريب برمجياته وإنتاج محتوى جديد بناءً على طلبات المستخدمين، دون أن يحصل المبدعون الأصليون على أي مقابل.
هذا التحرك يعكس القلق العميق المتزايد في الأوساط الفنية تجاه التكنولوجيا، خاصة مع التطورات السريعة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، والتي بدأت تظهر آثارها بشكل مباشر على صناعة الأفلام والموسيقى وحتى الأدب. فالعديد من استوديوهات هوليوود الكبرى لجأت إلى الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، حيث تم استخدامه لإحياء نجوم راحلين، وخلق صور لممثلي الخلفية في مشاهد القتال، وحتى في كتابة السيناريوهات.
الفنانون والكتّاب في مواجهة الذكاء الاصطناعي
تُعدّ هذه العريضة واحدة من أقوى الأصوات التي تعبر عن القلق من تأثير الذكاء الاصطناعي على الفنون. الممثلون الأميركيون جوليان مور وكيفن بيكون وشون أستين (الذي جسّد شخصية سام غامجي في "سيد الخواتم") كانوا من بين الموقعين على هذه العريضة. ولم يقتصر الأمر على مجال التمثيل، إذ ضمت العريضة توقيعات من عالم الموسيقى والأدب أيضًا، حيث وقع عليها موسيقيون مثل توم يورك وبيورن أولفايوس (فرقة "آبا")، والملحّن وعازف البيانو ماكس ريختر، بالإضافة إلى عدد من الكتّاب مثل هارلان كوبن وجيمس باترسون.
ومن اللافت أن قطاع الأدب بدأ أيضًا في مواجهة التحديات ذاتها التي تواجهها صناعة السينما والموسيقى، إذ يتم تأليف ألحان وقصص بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يثير تساؤلات جدية حول مصير الإبداع البشري في ظل التطور التكنولوجي المستمر.
الدعوى القضائية ضد "أوبن إيه آي" وحقوق المؤلف
في سياق متصل، شهد العام الماضي تصعيدًا كبيرًا في الصراع بين الكتّاب وشركات التكنولوجيا، حيث رفعت مجموعة من الكتّاب البارزين، من بينهم جورج آر آر مارتن، مؤلف سلسلة "غايم أوف ثرونز"، دعوى قضائية ضد شركة "أوبن إيه آي" (مبتكرة "تشات جي بي تي") بتهمة "السرقة المنهجية" لأعمالهم من أجل تدريب الخوارزميات. هؤلاء الكتّاب يطالبون بحماية حقوق الملكية الفكرية، مؤكدين أن استخدام أعمالهم دون إذن يعد انتهاكًا صارخًا لحقوقهم.
بين التعاون والمواجهة: مواقف متباينة تجاه الذكاء الاصطناعي
بينما تسعى بعض الجهات إلى تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق المؤلفين، يحاول آخرون الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتطورة. على سبيل المثال، أعلنت شركة "ميتا" مؤخرًا عن شراكة مع استوديو أفلام الرعب "بلومهاوس" لاختبار أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة "موفي جن"، وهي أداة تهدف إلى إنشاء مقاطع الفيديو بشكل تلقائي. هذه الأداة لا تزال في مرحلة تجريبية، لكنها تشير إلى اتجاه بعض الشركات للتعاون مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من مقاومته.
مستقبل الفن والإبداع في ظل الذكاء الاصطناعي
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل الفن والإبداع؟ هل سيبقى المبدعون قادرين على التحكم في أعمالهم وحمايتها، أم أن التكنولوجيا ستفرض واقعًا جديدًا يصعب تغييره؟
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بما في ذلك الفن والأدب، يبدو أن المواجهة بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي ستستمر في النمو. العريضة التي وقع عليها آلاف الفنانين والكتّاب هي مجرد بداية لهذه المواجهة، التي ستحدد مستقبل الإبداع في عصر التكنولوجيا المتقدمة.
0 تعليقات